حين يتحول العنف لنظام يومي.. الفلسطينيون يواجهون أشد موجة استيطان منذ عقدين

حين يتحول العنف لنظام يومي.. الفلسطينيون يواجهون أشد موجة استيطان منذ عقدين
اعتداءات جنود ومستوطنين في الضفة الغربية

أعلنت الأمم المتحدة أن المستوطنين الإسرائيليين نفذوا 264 اعتداءً ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال شهر أكتوبر الماضي، مسجلة أعلى حصيلة شهرية منذ نحو عشرين عامًا.

وأوضح نائب متحدث الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، خلال مؤتمر صحفي، أن هذه الاعتداءات أسفرت عن استشهاد فلسطينيين وخسائر كبيرة في الممتلكات، معتبراً أن الرقم يشير إلى تصاعد كبير في أعمال العنف المنظم ضد السكان الفلسطينيين.

وأضاف حق أن مجموع الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ عام 2006 بلغ نحو 6 آلاف و900 حادثة، منها حوالي 1,500 حادثة خلال العام الجاري وحده، ما يعكس نمطًا مستمرًا من العنف الذي يمس المدنيين والبنى التحتية الزراعية والمنزلية على حد سواء وفق وكالة أنباء سند.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن هذه الاعتداءات أدت إلى تهجير نحو 3,200 فلسطيني من أراضيهم، إضافة إلى إصابة المئات وفقدان الكثير لمصادر رزقهم، في حين كان الأطفال ضحايا أساسيين، إذ استشهد 42 طفلاً خلال العام الجاري نتيجة اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، أي واحد من بين كل خمسة شهداء.

التوزيع الجغرافي للاعتداءات 

أوضحت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن الاعتداءات الشهرية الأخيرة بلغت 766 حادثة، تركزت في محافظات رام الله والبيرة (195 اعتداءً)، نابلس (179 اعتداءً)، والخليل (126 اعتداءً). وأسفرت هجمات المستوطنين عن استشهاد المواطن جهاد محمد عجاج (26 عامًا) في بلدة دير جرير، ليصبح عدد الشهداء برصاص المستوطنين منذ مطلع العام 2025 أربعة عشر شهيدًا.

وتشهد الضفة الغربية منذ أسابيع موجة تصعيد غير مسبوقة، حيث أعلن جيش إسرائيل عن قتل ثلاثة فلسطينيين واعتقال العشرات خلال أسبوع واحد، مع توسع العمليات العسكرية لتشمل تدريبات واسعة في الأغوار الشمالية، ما يثير مخاوف من تحول استراتيجي نحو مشروع ضمّ تدريجي للضفة الغربية.

وتكشف التفاصيل الميدانية، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، أن الشهداء الثلاثة هم أطفال لم تتجاوز أعمارهم 16 عامًا، أُعدِموا ميدانيًا في بلدات اليامون غرب جنين والجديرة شمال غرب القدس.

سياسة الهدم المستمرة

بموازاة العنف المباشر، تتواصل سياسة التهجير القسري في مناطق “ج” التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، حيث تستهدف أوامر الهدم الجماعي التجمعات السكانية، مثل تجمع أم الخير البدوي في تلال الخليل، ما يمثل نموذجًا لسياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ المناطق من سكانها.

وتشير البيانات إلى أنه منذ بداية عام 2023 وحتى منتصف العام الجاري، تم تهجير نحو 2,900 فلسطيني من 69 تجمعًا سكانيًا، كما صودر أكثر من 23 ألف دونم من الأراضي في محافظتي قلقيلية ونابلس خلال ثلاثة أشهر فقط، وتشير التقارير إلى أن هذه السياسة تهدف إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية وتقسيم الأراضي الفلسطينية، ما يعوق إقامة دولة فلسطينية مستقبلية.

تستهدف اعتداءات المستوطنين عادة الممتلكات الزراعية والمنازل والمركبات، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وهو ما يؤدي إلى فقدان مصادر رزق الفلسطينيين وتفاقم الأوضاع المعيشية، وتبرز هذه الانتهاكات بشكل خاص ضد الأطفال الذين يمثلون نسبة كبيرة من الضحايا، ما يعكس تأثير العنف في الأجيال القادمة ويهدد حقوقهم الأساسية في التعليم والحياة الآمنة.

وتوثق وسائل إعلام فلسطينية وأممية حالات إطلاق النار المباشر على المدنيين، وهجمات على الممتلكات الزراعية التي تشكل مصدر دخل رئيسياً للعديد من العائلات، ما يعكس نمطًا من العنف المنظم الذي يتجاوز كونه أحداثًا متفرقة.

الردود الدولية والقانون

تؤكد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي، ومنها اتفاقيات جنيف التي تحظر نقل السكان المدنيين المحتلين إلى أراضٍ محتلة، وتحظر هدم الممتلكات وتغيير التركيبة السكانية بالقوة.

وقد دعت منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى وقف الاعتداءات، وحماية المدنيين الفلسطينيين، مع الإشارة إلى أن الصمت الدولي على هذه الانتهاكات يشجع على استمرار العنف. واعتبرت تقارير أممية أن هذه الاعتداءات تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار في الضفة الغربية، وتزيد من احتمالية نشوب مواجهات واسعة بين السكان والمستوطنين، في ظل وجود الجيش الإسرائيلي الذي يرافق عمليات المستوطنين أحيانًا.

تعد الضفة الغربية محورًا رئيسيًا في مساعي إقامة دولة فلسطينية مستقبلية، ويقطنها نحو 2.7 مليون فلسطيني ويعيش فيها أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي، وقد توسعت المستوطنات الإسرائيلية بوتيرة سريعة خلال العقود الماضية، ما أدى إلى تقسيم الأراضي وتقليص فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.

ويشير محللون إلى أن التصعيد الأخير يعكس نمطًا من العنف المنظم الذي يهدف إلى تغيير الحقائق على الأرض تدريجيًا، سواء عبر التوسع الاستيطاني، أو من خلال الاعتداءات المباشرة على السكان والممتلكات، أو عبر سياسة الهدم والتهجير القسري.

التداعيات الإنسانية والأمنية

يشكل تصاعد اعتداءات المستوطنين تهديدًا مباشرًا للمدنيين الفلسطينيين، ويزيد من معدلات النزوح الداخلي والفقر وفقدان مصادر الرزق. ويعكس تصعيد الجيش الإسرائيلي المصاحب لهذه الاعتداءات زيادة الضغط على المدنيين، ويضع الفلسطينيين في حلقة مستمرة من التوتر والخطر، مع تأثيرات سلبية طويلة الأمد في الأطفال والمجتمع المحلي.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن استمرار هذه الاعتداءات دون مساءلة يخلق بيئة من الإفلات من العقاب، ويقوض فرص السلام، ويعقد جهود المجتمع الدولي في دعم حل الدولتين وتحقيق الاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في ختام التقرير، تظهر البيانات أن الضفة الغربية تشهد موجة غير مسبوقة من العنف المنظم ضد الفلسطينيين، تمثل أعلى حصيلة شهرية منذ عشرين عامًا، ويعكس هذا التصعيد مزيجًا من اعتداءات المستوطنين، والسياسات الإسرائيلية التوسعية، والتهجير القسري، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي في حماية المدنيين وضمان احترام القانون الدولي، وتظل الحاجة ماسة لمبادرات عاجلة لتقليل التوتر، وحماية الأطفال والنساء والفئات الأشد ضعفاً، وضمان مستقبل آمن ومستقر للفلسطينيين في الضفة الغربية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية